واجهة المسجد الأموي في دمشق والذي شيده الوليد بن عبد الملك.
إثر نهاية حروب الردة في خريف عام 633 أرسل الخليفة الإسلامي الأول أبو بكر الصديق ثلاثة ألوية حربية إلى الشام لمحاربة البيزنطيين بقيادة عمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان والشرحبيل بن حسنة وآزرهم بعد ذلك خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وعدد من القبائل العربية الإسلامية والمسيحية على حد سواء أبرزها قبيلة بني شيبان وبني تغلب وعموم المناذرة. وإثر وفاة أبو بكر تابع عمر بن الخطاب سياسة الفتوح والحرب، فاستسلمت دمشق بعد حصار دام ستة أشهر،[7] وكان كتاب الأمان المعطى لأهلها نموذجًا لاستسلام سائر المدن السورية،[8] ففتح أبو عبيدة بن الجراح حمص وحماه ومعرة النعمان وأفاميا وطرطوس وبانياس صلحًا دون قتال عام 636،[9] وقد شهد ذلك العام أيضًا معركة اليرموك في 20 أغسطس والتي مني بها البيزنطيون بهزيمة ساحقة شكلت انطلاقًا للمرحلة الثانية للفتح، فاستطاع أبو عبيدة بن الجراح فتح حلب وجوارها ومدن الفرات دون قتال أيضًا.[10][11] عين عمر بن الخطاب القائد يزيد بن أبي سفيان واليًا على سوريا وإثر وفاته عيّن أخاه معاوية بن أبي سفيان واليًا عليها عام 640،[12] وعندما بويع علي بن أبي طالب بالخلافة في 24 حزيران/يونيو 656 رفض معاوية مبايعته واستمرت الحروب بين الفريقين حتى اغتيال الخوارج لعلي في 24 يناير 661، تلا ذلك تنحي الحسن بن علي عن الخلافة فأخذت البيعة لمعاوية فتأسست بذلك الدولة الأموية وعاصمتها دمشق.
قلعة جعبر على نهر الفرات، بناها جلال الدولة ملك شاه على أنقاض قلعة أقدم بناهاالنعمان بن المنذر.
استمر الأمويون بحكم سوريا 132 عامًا، ازدهرت خلالها البلاد وانتعش اقتصادها، إذ شق الأمويون الطرق بين المدن واهتموا بالزراعة وبنوا الحمامات والفنادق وأسسوا نظامًا بريديًا سريعًا إلى جانب نظام إداري فعال تمثل بالدواوين.[13] كما اهتم الأمويون بالعمارة ويبدوا المسجد الأموي في دمشق الذي شيدهالوليد بن عبد الملك والمسجد الأموي في حلب دليلاً على تطور فن الزخرفة والرسم والتطعيم بالخشب.[14] أشاد الأمويون أيضًا القصور والقلاع كقصري الحير الشرقي والغربي وقصر أسيس وقصر الرصافة خلال عهد هشام بن عبد الملك،[15] وقد اكتشف في ثلاثينات القرن العشرين ثلاثون قلعة في بادية الشامتعود لزمن الأمويين، كانت كمراكز نزهة واصطياف لهم إلى جانب كونها مناطق استغلها الأمويون زراعيًا لتأمين دمشق أوقات القحط. يقول الباحث عبد العزيز الدروري أنه على الرغم من تطور البلاد خلال العهد الأموي إلا أن الأسرة الأموية مارست التمييز العنصري والطبقي خصوصًا بين العرب وغير العرب،[16] لذلك فقد كانت الثورة العباسية حسب رأيه حركة سياسية ذات أسباب اجتماعية، نادت بالمساواة بين الموالي والعرب في الوظائف ومناصب الجيش والضرائب، وكان قوامها الرئيسي فلاحو الريف وفقراء المدن في الولايات البعيدة عن دمشق.[17] وقد استطاع العباسيون بقيادة أبو العباس السفاحالانتصار على جيش الأمويين بقيادة آخر خلفائهم مروان بن محمد عام 749، فزال بذلك العهد الأموي وبدأ العهد العباسي.[18]
نقل أبو العباس السفاح عاصمة الدولة إلى الكوفة بعد أن قتل العائلة الأموية ونبش قبور خلفائها في دمشق وهدم جزءًا من سورها.[19] لاحقًا في عام 762 بنى أبو جعفر المنصور مدينة بغداد لتكون عاصمة جديدة للدولة. عاشت الدولة العباسية عصرها الذهبي بين عامي 775 و847 تراجعت خلالها مكانة سوريا، غير أن الخلفاء العباسيين قد أدركوا أهمية موقعها كطريق تجاري وصلة وصل فضلاً عن كونها مركز حربي مع الإمبراطورية البيزنطيةواستقرار عدد كبير من القبائل العربية ذات القوة والسلطان فيها، لذلك فقد أولوها اهتمامًا خاصًا وغالبًا ما كان أولياء العهد أو كبار قادة الجيش يتولون شؤون مدنها وولاياتها كالمهدي ولي عهد أبي جعفر المنصور والذي كان واليًا على الرقة.[20] ولعل أبرز الشخصيات السياسية السورية في العهد العباسي هو مالك بن طوق والي الرحبة الذي ذاع صيته حتى بات مضربًا للمثل.[21] ويذكر أن هارون الرشيد والمأمون قاما بالاستقرار بدمشق طلبًا للصحة وحسن المنظر على ما يذكر ابن عساكر،[22]ولكونها خط الدفاع المتقدم عن العراق أرض الخلافة قام العباسيون بتشييد عددٍ من القلاع كقلعة جعبر على نهر الفرات خصوصًا إثر امتداد النفوذ الفاطمي نحو بلاد الشام. أما على الصعيد الثقافي فقد برز عدد الأدباء والعلماء السوريين خصوصًا في عهد التراجم وجامعة بيت الحكمة.
قلعة الحصن قرب حمص، التي أعاد بنائها الصليبيون وسيطر عليها فرسان الإسبتارية، ولم ينسحبوا منها نهائيًا حتى عام 1271.
غدا الفرس بدءا من عهد المأمون وزراء الدولة وقوامها، واستبدلهم المعتصم بالله بالأتراك ما شكل بداية أفول الدولة العباسية،[23] ويحدد الباحثون خلافة تاسع الخلفاء العباسيين المتوكل على الله تاريخًا لبدء اضمحلال الدولة وتفككها إلى دول مستقلة تخضع لسيادة بغداد اسميًا، فتوالى الإخشيد والقرامطة والطولونيون والحمدانيون فالمرادسيون والعقيليون على حكم سوريا، واستطاع البيزنطيون استعادة أنطاكية وحلب عام 962 ردحًا من الزمن، ثم برزت الخلافة الفاطمية في مصر والتي تمكنت في احتلال دمشق ومدنًا سوريّة أخرى ردحًا من الزمن بداية القرن الحادي عشر،[24] غير أن السلاجقة قاموا بطردهم وأسسوا دولة في دمشق والجنوب السوري بزعامة تتش بن ألب أرسلان. ترافقت تلك الحقبة بتراجع الوضع الاقتصادي وانتشار الاضطهادات الدينية لمختلف الأقليات فضلاً عن الكوارث الطبيعية التي حاقت بمختلف المدن السورية، كما نشأت إبان تلك المرحلة عدد من الطوائف الإسلامية التي لا تزال مستقرة في سوريا كالدروز والعلويون.[25]
في ظل هذه الأوضاع وصلت الحملة الصليبية الأولى إلى الشرق، ودخلت الرها في 6 فبراير 1098 سلمًا، ثم فتحت أنطاكية في أغسطس 1098 ومنها انتقلت في سربين ساحلي وداخلي نحو الجنوب، فسقطت طرطوس في يناير 1099، وصالح ابن عمار والي طرابلس الحملة التي استمرت على الطريق الساحلي نحو الجنوب حتى استولت على القدس في 12 تموز/يوليو 1099.[26] ضمن حدود سوريا اليوم، فإن إمارة أنطاكية استولت على محافظة اللاذقية وأجزاء من محافظات طرطوس وادلبوحماه، واستولت إمارة طرابلس على قسم من محافظتي طرطوس وحمص في حين احتلت مملكة بيت المقدس أجزاءً كبيرة من الجولان.
برز في سوريا عام 1127 عماد الدين زنكي والتي اتخذ من حلب عاصمة له. استطاع عماد الدين زنكي استعادة إمارة الرها الصليبية برمتها، وحاول الصليبيون كرد على سقوط الرها احتلال دمشق خلال الحملة الصليبية الثانية، بيد أن الحملة قد باءت بالفشل ولم تحقق أهدافها. لاحقًا استطاع نور الدين زنكي ابن عماد الدين ووريثه أن يفتح دمشق التي كانت تحت حكم السلاجقة ثم فتح مصر وقضى على الخلافة الفاطمية. إثر وفاة نور الدين زنكي برز صلاح الدين الأيوبي الذي قبض على الحكم في بلاد الشام ومصر ومناطق متفرقة أخرى، مؤسسًا الدولة الأيوبية كما استطاع استعادة القدس من الصليبيين عام 1187، لكن فتوحه في الساحل السوري قد اقتصرت على بعض القلاع والحصون، غير أن هذه المهمة قد تركت للمماليك الذين خلفوا الأيوبيين في حكم بلاد الشام ومصر عام 1250،[27] فاستطاع الظاهر بيبرس فتح أنطاكية في 21 أيار/مايو 1268 وطرابلس عام 1285 فعكا عام 1291 منهيًا بذلك العصر الصليبي،[28] وقاوم المماليك المغول أيضًا ودحروهم في معركة عين جالوت عام 1260بعد أن كان المغول قد دمروا حلب وحمص وأحرقوهما،[29] غير أن تيمورلنك أعاد الكرّة على سوريا بعد قرن ونصف، فاحتل حلب عام 1400 وحمص وحماه ودمشق عام 1401، وأحرق المسجد الأموي وسبا العمال والحرفيين إلى عاصمته سمرقندوبلغ عدد القتلى الذين سقطوا على أيدي جنود تيمورلنك في قلعة حلب وحدها عشرون ألفًا، وفي حريق المسجد الأموي والأحياء المحيطة به والذي أشعله تيمورلنك عنوة ثلاثين ألفًا.[30]
استطاع المماليك استعادة سوريا وقسموا بلاد الشام إلى ست نيابات ثلاث منها في سوريا الحالية هي دمشق وحلب وحماه. تميز العهد المملوكي عمومًا بكثرة الانقلابات العسكرية الداخلية والحروب والمجاعات والأوبئة فضلاً عن اندثار الثقافة وانتشار الأمية والفساد في السلطة، وقد انخفض عدد سكان سوريا إلى الثلث خلال حكمهم،[29] ولم يبال السكان بانهيار الدولة المملوكية إثر معركة مرج دابق، وفتح السكان أبواب مدنهم سلمًا للعثمانيين.[31]
التقى الجيش العثماني والجيش المملوكي في مرج دابق شمال حلب، وكان الجيش العثماني مكونًا من مائة وخمسين ألف مقاتل ومزودًا بسلاح المدفعية الذي لم يستعمل قط في سوريا قبلاً تحت قيادة السلطان سليم الأول، والذي كان قد استمال سلفًا خير بيك النائب المملوكي في حلب وجان برادلي الغزالي النائب المملوكي في دمشق،[32]، وإثر هزيمة المماليك دخل السلطان إلى حلب ومنها انتقل إلى دمشق فدخلها يوم 26 أيلول/سبتمبر 1516 وأضاف إمام المسجد الأموي عبارة "خادم الحرمين الشريفين" لاسم السلطان الذي أمر بترميم المسجد الأموي، ثم غادر سوريا إلى مصر فملكها ومكث بها شهرًا قبل أن يعود إلى دمشق ليرتب أحوال الولايات وسائر الأمور الإدراية. قسم السلطان سليم الأول سوريا إلى ولايتين هما ولاية سوريا وولاية حلب، ثم استحدثت عام 1520 ولاية طرابلس التي ضمت في سوريا اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة والسلمية، واستحدث العثمانيون مطلع القرن السابع عشر ولاية الرقة، لتظل التقاسيم على حالها حتى نهاية القرن التاسع عشر حين أتبعت حمص وحماة لولاية سوريا التي فصل عنها سنجقا عكا ونابلس وضما إلى ولاية بيروت، كما استحدثت متصرفية الزور عام 1904 كهيئة إدارية مرتبطة مباشرة بالباب العالي بسبب الاضطرابات التي كان يسببها البدو.[33][34]
خان أسعد باشا في دمشق والذي بناه الوالي أسعد باشا العظم عام 1753.[35]
الولايات السورية في الدولة العثمانية.
السلطان الغازي عبد المجيد الأول، شهد عهده استعادة سوريا وقيام الفتنة بين المسيحيينوالمسلمين فيها.
إثر وفاة السلطان سليم الأول عام 1520 أعلن جان بردي الغزالي الثورة والاستقلال عن الدولة العثمانية، فما كان من السلطان سليمان القانوني إلا أن أرسل جيشًا بقيادة فرهاد باشا والي حلبقضى على ثورة دمشق وأحرق ثلثها.[36] لاحقًا خلال القرن السابع عشر دخلت أجزاء واسعة من سوريا ضمن إمارة فخر الدين المعني الثاني والذي أقر له السلطان مراد الرابع بحكم جميع الأراضي الواقعة بين حلب والقدس وخلع عليه لقب "سلطان البر". استطاع فخر الدين بحكم سياسته الاقتصادية والاجتماعية المنفتحة أن ينهقض بالبلاد، حتى أطلق المؤرخون على تلك الفترة اسم "بداية عصر النهضة في بلاد الشام"، إذ اهتمّ الأمير بالزراعة وصناعة الحرير وسيّر القوافل التجارية البحرية مع إيطاليا، وفي عام 1630 ضم مدينة تدمر إلى حكمه، غير أن السلطان مراد الرابع تخوف من تنامي نفوذه فقرر التخلص منه، واستطاع والي دمشق اعتقاله وإرساله إلى اسطنبول حيث شنق وثلاثة من أولاده في أحد المساجد بتهمة الزندقة.[37]
أحد المنازل في حلب والتي تعود للحقبة العثمانية، ويدعى هذا النمط المعماي في المدينة "أجقباش".
عمومًا، فإن الوضع الاقتصادي في سوريا طوال العهد العثماني لم يكن جيدًا خصوصًا بعد منح الامتيازات الأجنبية لفرنسا ومن ثم لسائر الدول الأوروبية، إذ قد ملأت الأسواق المحلية بالبضائع الأجنبية، إلى جانب أن تكرار الحروب التي خاضها السلاطين أدت إلى زيادة الضرائب وفقدان البلاد لعناصرها الشابة لفترات طويلة من الزمن. وقد تكررت الثورات الاستقلالية الشبيهة بحركة الأمير فخر الدين خلال القرن الثامن عشر وقد تكون ثورتي ظاهر العمر وعلي بك الكبير أشهرههما. أما القرن التاسع عشر فقد افتتح بمحاولة نابليون بونابرت احتلال سوريا عام 1800 غير أنه قد فشل قبل الوصول إليها على أسوار عكا،[38] غير أن الحملة الفرنسية على مصر ساهمت بتهيئة المناخ السياسي لظهور محمد علي الذي اعترف به السلطان محمود الثاني واليًا عام 1805، لاحقًا وعد السلطان محمد علي بأن يمنحه ولايات بلاد الشام جميعها إذا ما شارك محمد علي في حروب الدولة ضد اليونان عام 1827، وقد استجاب محمد علي لطلب السطلان، لكن جيوش الدولة وجيوش محمد علي لم تقو على الأساطيل الأوروبية مجتمعة في اليونان فمنيوا بخزيمة خلال معركة نافارين. استقلال اليونان إثر هزيمةالدولة العثمانية أدت إلى رفض السلطان محمود الثاني منح محمد علي ولايات بلاد الشام، فقام محمد علي بإرسال جيش بقيادة ابنه إبراهيم باشابداية عام 1831، واستطاع الانتصار على الجيش العثماني بقيادة حسين باشا في معركة حمص الفاصلة يوم 8 حزيران/يونيو 1832، وقد ساند سكان سوريا إبراهيم باشا وقاتلوا في صفوفه.[39]
كان حكم إبراهيم باشا لسوريا إصلاحيًا، إذ وفر الأمن للطرق التجارية بين المدن، واهتم بالتعليم الذي لم يمنحه العثمانيون أية أهمية، وسمح بتأسيس مدارس البعثات الأوروبية كما قام بتوطين البدو بعد أن بنى القرى لهم، وقام بتوسيع الأراضي الصالحة للزراعة واهتم بصناعة الحرير وخفّض الضرائب وأنشأ نظام بريد فعال داخل سوريا، كما أنشأ لأول مرة في سوريا مجالس المدن لإدارة شؤون الأحياء والمدن من قبل قاطنيها.[40] حكم محمد علي وابنه إبراهيم باشا في سوريا لم يطل، إذ فرضت عليه الدول الأوروبية عام 1840 الانسحاب من بلاد الشام خوفًا من تمدد نفوذه نحو الأناضول، وبعد أن خرج إبراهيم باشا من سوريا انهارت الإصلاحات التي تمت في عهده، إذ انخفض عدد أنوال الحرير من خمسين ألفًا إلى ألفان فقط، وبعد أن كانت البلاد تصدر المنسوجات القطنية أصبحت تستوردها، كما اختفت القرى الجديدة التي أنشئت حول دمشقوحلب وفي وادي الفرات بنتيجة الضرائب الباهضة وفقدان الأمن.[40] ولعل من العلامات الفارقة لتلك المرحلة اندلاع الفتن الطائفية بين المسلمينوالمسيحيين في جبل لبنان ومنها انتقلت إلى دمشق وحلب واللاذقية وزحلة وغيرها من المدن، وكانت حصيلتها النهائية اثني عشر ألف قتيلاً، ما جعل سوريا مشرعة الأبواب أمام الدول الأوروبية للتدخل في أدق شؤونها.[40][41]
طور العثمانيون نمطًا معماريًا فريدًا، وبنوا المساجد والقصور والخانات والأسواق الشعبية، غير أن هذه النهضة المعمارية تمت بشكل رئيسي في المدن الكبرى ومراكز الولايات، وقلّت حتى اختفت في سائر المدن، وكانت ميول الوالي تلعب دورًا في التشجيع على العمارة وتنشيط الاقتصاد، وقد توالى في دمشق وحلب عدد من الولاة الإصلاحيين كولاة آل العظم وأحمد مدحت باشا وغيرهم.[42]
يعرف القرن التاسع عشر في سوريا باسم عصر النهضة القومية والفكرية، إذ تم تأسيس المطابع ودور النشر والمجلات والصحف والمدراس والجامعات، إما عن طريق أبناء البلاد مباشرة أو عن طريق بعثات أوروبية، كما كان لوالي دمشق مدحت باشا دورًا في عملية التنمية الاقتصادية إلى جانب التنمية الفكرية.[43] وقد تأسست في بدءًا من أواخر القرن التاسع عشر العديد من الجمعيات الوطنية والتي تشبه الأحزاب حاليًا كالجمعية السرية عام 1875 وجمعية العهد عام 1909، وجمعية العربية الفتاة عام 1911 وحزب اللامركزية الإدارية وحزب سوريا الفتاة عام 1912.[44]وكانت هذه الأحزاب متباينة في أهدافها بين الحفاظ على الارتباط مع الدولة العثمانية والدعوة للاستقلال عنها، وعقدت في مؤتمر باريس في 18 حزيران/يونيو 1913 واستقر الرأي على المطالبة بمنح حكم لا مركزي واسع لبلاد الشام يكون له جيشه الخاص، وعلى الرغم من مصادقة السلطان محمد الخامس على مقررات المؤتمر في 18 أغسطس 1913 لاحتواء نفوذ الوطنيين الشعبي، غير أن مقررات المؤتمر لم تدخل أبدًا حيّز التنفيذ، بل العكس تمامًا أخذت السلطات باعتقال الرموز الوطنية.[45][46]
وقد انتشرت خلال أواخر القرن التاسع عشر ظاهرة الهجرة إلى مصر والعالم الجديد هربًا من الفقر واضطهاد الاقطاع في القرى، فضلاً عن المجاعة التي ضربت البلاد بعد أن ظهرت أسراب الجراد في ربيع 1915، فأتت على المحاصيل، وما زاد الأمر سوءًا تلاعب التجارة والموظفين الأتراك بأسعار الطعام ويقول المؤرخ أسعد داغر حول المجاعة: فكان الفقراء يموتون جوعًا، وكنت ترى جثث الموتى على قوارع الطرق، ومات في شمال سوريا وحدها ستين إلى ثمانين ألفًا بالمجاعة.[47]